19 - 05 - 2025

عاصفة بوح | من المسؤول عن العنف؟

عاصفة بوح | من المسؤول عن العنف؟

احتفلنا باليوم العالمى لمناهضة العنف ضد النساء وتكلم الكثيرين بمناسبته وعددوا أوجه العنف وأشكاله والطرق المثلى لمحاربته ولم أكن أنا استثناء.. خاصة كونى امرأة عايشت وشاهدت وسمعت قصصا كثيرة عن تعرضهن لكل أنواع التنكيل، خفت أو غلظت تبعا لنوع المجتمع اللاتى يعشن فيه ومستوى ثقافته ونسبة التعليم وهيمنة الفكر المتزمت والغلو والذى اول من يكتوى بناره النساء.. وكنت اتساءل لماذا تجتمع المجتمعات على التنكيل بالمرأة.. الضرب المبرح، والقتل أحيانا إذا ما قررت إحداهن الانفصال، فيراه الرجل جريمة فى حقه الذكورى وإهانة لرجولته، كأنه بعقد الزواج قد امتلكها عبدة لا حقوق لها ولا كينونة خارج إطار تلك العلاقة وذلك هو أصل المشكلة.  

 هل تريدون أو تتقبلون صراحتى كامرأة؟ العنف يأتى من أن الاحساس بالتهديد لا يكفى امرأته ولو أعطى لها حق الطلاق لتركته على الفور، أو لو كانت تعمل ولا تعتمد عليه اقتصاديا فإنها فى أول فرصة وأول مقارنة ستفر منه للأحسن أو الأقوى والأغنى، هكذا يفكر معظم الرجال، خاصة فى أوساط الجهل والتخلف والأمية، وما أن يدخل التحضر وتنتشر الثقافة وتتراجع ثقافة الغلو والتطرف، حتى نجد علاقة المساواة أو التكامل بين الجنسين ويصلان فيها إلى درجة من الانسجام والعدل، بحيث تنمو العلاقات فى أجواء أكثر تحضرا ويختفى التهديد والإحساس بالقوة وتختفي معه الرغبة فى الهيمنة والسيطرة والتى بدونهما يتهدد الرجل فى موقعه من أسرته.. هكذا أيضا بمنتهى البساطة وبالمثل على المستوى العام والخاص.. فى السياسة كما فى العلاقات الانسانية، فتهديد المكانة يحرك ويسيطر على العلاقات.. ويسود منطق "لو تساوت الرؤوس..فلمن القيادة؟" وإذا غابت القيادة تبدأ المحاسبة والمطالبة بالحقوق، وتلك هى المشكلة إذ يخشى الجميع المشاركة فى السلطة.. فتُلعن الديموقراطية فى الأنظمة الديكاتورية.. ويوظف الدين لتكريس السلطة فى يد الرجل ولتذهب حقوق المرأة الانسانية للجحيم. 

 سوف يختفى العنف ضد المرأة، عندما لا يتم حرمان الإناث من التعليم الذي يتوفر فقط للأبناء الذكور، عندما لا تربى الفتاة على أنها نصف الرجل وأنها تابعة وأنها ناقصة عقل ودين، والتي يتم أشهارها فى وجه النساء حتى تتم السيطرة عليهن، سوف يختفى العنف عندما ينشر المعنى الصحيح للفظ "فاضربوهن" فى القران على أنه فارقوهن، كما استخدم فى مواضع كثيرة فى القران مثل "اضربوا فى الأرض" أي انتشروا، عندما لا يُكرس لثقافة الظلم فى المناهج الدراسية بأن الفتاه للمنزل وللرجل العمل.. ونسوا الآية التى تدعم عمل الرجل والمرأة، فـ "للرجال نصيب مما اكتسبوا وللنساء نصيب مما اكتسبن"، وكما قيل فى أحد الأفلام إذا لم تتعلم المرأة و تعمل، فإنها لو احتاجت فلن تجد طريقا للكسب إلا جسدها، هكذا بمنتهى البساطة.

للعنف أوجه كثيرة تصادفها الفتاة فى كل لحظة من حياتها.. مثلا عندما تتحيز القوانين ضد المرأة فى قضايا الدعارة فيقبض عليها ويفرج عن الزبون الذى هو الطرف الآخر للجريمة، إذا ما ابتعد اختفت تلك الممارسة القذرة من حياتنا، يختفى العنف عندما يتساويان أمام القانون ولا نسمع عن جرئم الشرف المخفف أحكامها، لأن القضاة رجال والنصوص يكتبها الذكور أيضا!

يختفى العنف عندما لا يلقى الأب أبناءها في الشارع، وتظل تجرى وراءه شهور وسنين لينفق على أولاده أو لتبقى عبدة ذليلة من أجل لقمة العيش والإنفاق على الأولاد.. ويختفى أيضا عندما تعتبر جريمة الختان جريمة ضد الإنسانية، إنسانية المرأة وحقها فى أن تحتفظ بأعضائها كاملة لتكمل حقها المشروع فى الاستمتاع بالعلاقة الزوجية، بعيدا عن مفهوم الشرف الذى يفرض بالقهر لا بالاخلاق والتدين. 

التغيير يبدأ من الآن .. غيروا الثقافة الشعبية، غيروا تيمات الافلام و المسلسلات التي لاتعترف بالمرأة إنسانة كاملة لها مثل الذى عليها بالمعرووف، وأن للكرامة والكبرياء مكان فى حياتها، ولا يجب أن تضار بأطفالها، كما ذكر فى قرآننا، فتقبل ما لا يجب أن يقبله إنسان سوي حر ذو كبرياء وكرامة، التغيير يبدأ من الطفولة.. فلتكن التربية واحدة باحترام كل جنس للآخر.. وتتكامل أدوارهما لا تتصارع.

ففى النهاية .. بدأ الكون برجل وامرأة فى حالة وئام وعشق وحياة مشتركة!
--------------------------
بقلم: وفاء الشيشيني
من المشهد الأسبوعي

 



مقالات اخرى للكاتب

عاصفة بوح | علمتني غزة